"مُحِبٌ"، هكذا قالها عندما سألتُه عن تغيّر حاله، ولمْ يُزِدْ كأنما اكتفى بتعلق روحِه بروحٍ أخرى ولا يرجو إلى غيرها انتسابا.
أطال النظر واكتسى وجهُه بجمال محبتِه وأشرق فوق إشراق بسمته، تتوه عيناه في الكون حوله بكل تفاصيله.. ولا يرى منه شيئا، كأنما يطالع كونا آخر لا يراه غيرُه ولا يطالعه سواه.. لكنه حتما أجمل من عالمنا هذا، وأطيب أثرًا في القلوب وإلا لَمَا رأيته بهذا الثغر الباسم يطالعني وأنا أحدثه ولا يكاد يسمعني أو حتى يراني، عقله منشغل بشيء آخر أو بالأحرى قلبه الذي بين جوانحه متعلق بقلب آخر.
ما أجمل حال المحبين،بل ما أشقى قلوبهم.. يكادون يحتوون العالم بأسره إن أقبل عليهم المحبوبُ بنظرةٍ إليهم -وإن لمْ تكن لهم- يكتفون بها، ويعطون العالم حولهم أضعافا مضافة من ذلك الجمال في نفوسهم؛ تَصَدُّقًا عن نعمة الحُبّ المضطرب داخلهم.
ويا لتعاسة قلوبهم إن هَبّتْ رياحُ المحبوب إلى غير مواردِهم وراحت لديار قوم أخر.. كأنما الكون بأسره قد آل إلى زوال وزالتْ معه روحُهم، فإذا وافتْك يوما قصةُ أحدهم فَلا تهزأْ من تقلب أحوالِهم وانطفاء روحِهم،
أو أن تتحدث عن وهن نفوسِهم وقلة عزمهم.. ربما لو بُلِيتَ بمصابهم لَمَا أفقْتَ من غيبتِك إلا بعد أن تمزّقتْ روحُك فلا سبيلَ إلى التئامِها مرة أخرى.
أحسب أن مصيبتَهم قد يجتمع فيها شيءٌ من فَقدِ والدٍ لابنٍ هو باكورة أبنائه وأقربُهم إلى قلبِه، ويُتْمِ صغيرٍ قد طالع أقرانَه يرتوون بحنان آبائهم، وثُكْلِ أمٍ لولدها قد رأتْه يكبر أمامها وترى اشتدادَ عودِه ثم انتهى الأمر بانتحابها على فقده.
أما إذا رأيت أحدهم فلتمنُنْ عليه بدعوة لعل روحَه تجتمع بروحِه الأخرى.. وأن تترحم على قلوب الذين لم ينالوا من الهوى سوى فقدِه.
وأخيرا فوا رحمةً للعاشقين وسلامًا على قلوبهم الطاهرة.
تعليقات
إرسال تعليق