هذه مقتطفات من شعر قيس بن الملوح "مجنون ليلى"، وما بُلِيَ به من حب سطر آلامه فيه على صفحة التاريخ.. وترك خلفه زادا لسالك خلفه لعله يجد فيه سلوان لروحه لما أصابها من أثر الحب.. هي بعض مقتطفات من حسرته وعلامات من حبه بثثناها هنا، ولعلنا نقطف منها في مرة أخرى..
وقال قيس:
أُحِبُّك حبّاً لو تحبِّين مثلَه | أصابك منْ وَجْدٍ عليَّ جنونُ |
وَصِرتُ بِقَلبٍ عاشَ أَمّا نَهارُهُ | فَحُزنٌ وَأَمّا لَيلُهُ فَأَنينُ |
وقال:
ما بال قلبك يا مجنون قد هلعا | في حبِّ من لا تَرى في نَيْلِهِ طَمَعَا |
الحبُّ والودُّ نِيطا بالفؤادِ لها | فأصبحَا في فؤادِي ثابِتَيْنِ مَعا |
طُوبَى لمن أنتِ في الدنيا قرينتُه | لقد نفى الله عنه الهم والجزعا |
بل ما قرأت كتاباً منك يبلغني | إلاَّ ترقرقَ ماءُ العَيْن أو دمعَا |
أدعو إلى هجرها قلبي فيتبعني | حتى إذا قلت هذا صادق نزعا |
لا أستطيع نزوعاً عن مودتها | أو يصنع الحب بي فوق الذي صنعا |
كَمْ من دَنِيٍّ لها قد كنتُ أتبَعُهُ | ولو صحا القلب عنها كان لي تبعا |
وزادني كَلَفاً في الحبِّ أن مُنِعَتْ | أحبُّ شيءٍ إلى الإِنسان ما مُنِعا |
إِقْرَ السلامَ على لِيْلَى وحقَّ لها | مني التحية إن الموت قد نزعا |
أمات أم هو حي في البلاد فقد | قلَّ العّزَاءُ وأبدَى القلبُ ما جَزِعا |
وقال:
يا رب إنك ذو من ومغفرة | بيت بعافية ليل المحبينا |
الذاكرينَ الهَوَى مِنْ بَعدِها رقدُوا | الساقطين على الأيدي المكبينا |
يا رب لا تسْلُبَنِّي حُبَّها أبداً | وَيَرْحَمُ اللّه عَبْداً قال آمينا |
وقال:
ألا قاتل الله الهوى ما أشده | و أسرعه للمرء وهو جليد |
دعاني الهوى من نحوها فأجبته | فأصْبَحَ بِي يَسْتَنُّ حيث يُرِيدُ |
وقال:
أيها الطير المحلق غادياً | تحمل سلامي لا تذرني مناديا |
تَحَمَّلُ هّدَاكَ اللّه مِنِّي رِسَالة ً | إلى بلد إن كنت بالأرض هاديا |
إلى قفرة من نحو ليلى مضلة | بها الْقَلْبُ مِنِّي مُوثَقٌ وفؤَادِيَا |
ألاَ لَيْتَ يَوْمَاً حَلَّ بِي مِنْ فِرَاقِكُمْ | تَزَوَّدْتُ ذاك اليومَ آخِرَ زادِيَا |
وقال:
حبيبٌ نأى عنِّي الزَّمانُ بِقُرْبِهِ | فَصَيَّرنِي فَرْداً بغيْرِ حَبيبِ |
فلي قلب محزون وعقل مدله | وَوَحْشَة ُ مَهجُورٍ وَذُلُّ غَريبِ |
فيا حقب الأيام هل فيك مطمع | لِرَدِّ حبيبٍ أوْ لِدَفْعِ كُرُوبِ |
وقال:
وَجَدْتُ الحبَّ نِيرَاناً تَلَظَّى | قُلوبُ الْعَاشَقِينَ لَهَا وَقودُ |
فلو كانت إذا احترقت تفانت | ولكن كلما احترقت تعود |
كأهْل النَّار إذْ نضِجَتْ جُلُودٌ | أُعِيدَتْ-لِلشَّقَاءِ- لَهُمْ جُلُودُ |
وقال:
أَحِنُّ إلى لَيْلَى وإنْ شَطَّتِ النَّوَى | بليلى كما حن اليراع المنشب |
يقولون ليلى عذبتك بحبها | ألا حبذا ذاك الحبيب المعذب |
وقال:
ألاَ يا نَسِيمَ الرِّيحِ حُكْمُكَ جائِرٌ | عليَّ إذا أرْضَيْتَني وَرَضِيتُ |
ألاَ يا نَسيمَ الرِّيحِ لو أَنَّ واحِداً | من الناس يبليه الهوى لبليت |
فلو خلط السم الزعاف بريقها | تَمَصَّصتُ مِنْهُ نَهْلَة ً وَرَوِيتُ |
وقال:
فو الله ما أبكي على يوم ميتتي | و لكنني من وشك بينك أجزع |
فصبراً لأمر الله إن حان يومنا | فليس لأمْرٍ حَمَّهُ اللّه مَدْفَعُ |
وقال:
إليكَ عَنِّيَ إنِّي هائِمٌ وَصِبٌ | أمَا تَرَى الْجِسْمَ قد أودَى به الْعَطَبُ |
لِلّه قلبِيَ ماذا قد أُتِيحَ له | حر الصبابة والأوجاع والوصب |
ضاقت علي بلاد الله ما رحبت | ياللرجال فهل في الأرض مضطرب |
البين يؤلمني والشوق يجرحني | والدار نازحة والشمل منشعب |
كيف السَّبيلُ إلى ليلى وقد حُجِبَتْ | عَهْدي بها زَمَناً ما دُونَهَا حُجُبُ |
وقال:
ومما شجاني أنها يوم ودعت | تَقُولُ لَنَا أسْتَوْدعُ اللّه مَنْ أدْرِي |
وَكَيفَ أُعَزِّي النَّفْسَ بعد فِراقِهَا | وقد ضاق بالكتمان من حبها صدري |
فوالله والله العزيز مكانه | وقد كاد روحي أن يزول بلا أمر |
خليلي مرا بعد موتي بتربتي | و قولا لليلى ذا قتيل من الهجر |
رحم الله قيسا على ما أفلتت روحه من كلمات لا يشعر بها إلا مَن ألم به وجده فضاق به صدره.. ورحم الله إخوان قيس في كل مكان وزمان على جنونهم.
تعليقات
إرسال تعليق